منذ الاعلان عن تفشي فيروس كورونا من مدينة وهان الصينية في ديسمبر 2019. تحوّل
كوفيد-19 إلى جائحة تؤثر على العديد من بلدان العالم. مما دفعهم للتسابق لمعرفة
ماهية الفيروس ودرجة خطورته وكيفية التصدي له. والعمل، من ثم، على تطوير لقاحات
وعلاجات لهذا الفيروس المستجد فيما عمل خبراء وباحثون على دراسة الآثار التي
يُحدثها الفيروس في أجهزة الجسم المختلفة.
في البداية، قالت معظم التشخيصات أن هذا
الفيروس يصيب الرئة. وبعدها استمرت الدراسات السريرية لتنفي النتائج الأولى ،
وليتضح انه فيروس خطير، يصيب القلب والدم، لاسيما أصحاب الدم المتخثر منه. وقد أدى
هذا التضارب في التشخيص وسرعة انتشار الوباء إلى تسرع وتضارب في طريقة العلاج
المناسبة. اتضح ذلك من خلال الجدل الواسع الذي أثير حول الوباء، والإرباك الذي ظهر
على المختبرات وشركات الأدوية العالمية المختصة وكذا حكومات الدول.
ولأن الصين كانت
بؤرة انتشار الوباء، وبعد تكتم طويل غير مفهوم، بدأ الحديث عن اعتماد وزارة الصحة
في هذا البلد عقار "كلوروكين فوفسات" على المصابين بفيروس "كورونا" الذي يستعمل ضد
"المالاريا". وقد نشرت أولى الدراسات السريرية من طرف مجموعة من الباحثين الصينين
في العدد الأخير من مجلة "بيو ساينس ترند" الكائن مقرها في اليابان، للتحقق من
فعالية الاعتماد على عقار "الكلوروكين فوسفات" لعلاج المصابين بفيروس "كورونا"، وقد نشرت هذه الدراسة بطريقة أولية، بمعنى أنها نشرت دون
التحقق من صحتها من قبل لجنة من الخبراء العلميين.
كما نشرت دراسة أنجزها العالم
الفرنسي " ديدي راوول" حول فعالية هيدروكسي كلوروكوين ضد الفيروس التاجي في المجلة
العلمية المرموقة " thé Lancet، وبناء عليه تهافتت بعض الدول على اعتماده . وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية. غير أنه في الثالث من إبريل/نيسان من عام 2020، ردت المجلة الدولية للعلاج الكيميائي الميكروبي على
المقالة، واصفة إياه بالعشوائي . وأنه لا يتطابق مع المعايير المعتمدة من قبلها،
خاصة فيما
يتعلق بعدم وجود تفسيرات أفضل لمعايير الإدراج
والفرز لدى المرضى لضمان
سلامة المرضى.
وقد نشرت مجلة "The Lancet" بتعاون مع شركة "Surgisphere" مقالة علمية في 22 ماي 2020 حول فعالية دواء "الهيدروكسيد-كلوروكين" ضد كوفيد-19. وخلصت فيها:"لم نتمكن من تأكيد فائدة هيدروكسي كلوروكين أو كلوروكين،
عندما استخدمناه بمفرده أو مع مكروليدي، في النتائج داخل المستشفى بالنسبة
للكوفيد-19. ويرتبط كل نظام من هذه الأدوية بانخفاض معدل البقاء في المستشفى
وزيادة وتيرة عدم انتظام نبض البطين عند استخدامه لعلاج مرض كوفيد-19."
غير أنه،
بتاريخ 4 يونيو 2020 ستعود المجلة وستصدر بيانا عن تراجع ثلاثة من محرري الورقة
العلمية حول فعالية هيدروكسي كلوكورين قائلة:" اليوم، تراجع عن دراستهم ثلاثة من
مؤلفي الورقة بعنوان "هيدروكسيكلوروكين أو كلوروكين مع أو بدون مكروليدي لمعالجة
مرض كوفيد-19: تحليل السجل المتعدد الجنسيات. ولم يتمكنوا من استكمال مراجعة مستقلة
للبيانات التي يقوم عليها تحليلهم. ونتيجة لهذا فقد استنتجوا أنهم "لم يعد بوسعهم
أن يحجموا صدق مصادر البيانات الأساسية". وتأخذ لانسيت القضايا المتعلقة بالنزاهة
العلمية على محمل الجد، وهناك العديد من التساؤلات المعلقة حول "سيغجيسفيير"
والبيانات التي زعم أنها كانت متضمنة في هذه الدراسة. وإتباع المبادئ التوجيهية من
لجنة الأخلاقيات في مجال المنشورات واللجنة الدولية لمحرري المجلات الطبية، فإن
الأمر يتطلب إجراء مراجعات مؤسسية للتعاون البحثي الذي تقوم به "سيغجيسفيير".
وقد
دافعت شركة"Surgisphere" عن منهجيتها في جمع البيانات، ما بين 20 دجنبر 2019 و14
أبريل 2020، حول فعالية "هيدروكسيد-كلوركين" في علاج مرضى كوفيد-19. حيث ادعت أنها
وزعت استمارتها على 671 مستشفى من جميع القارات وطالبت برصد تأثير دواء SARS-CoV-2 على
المرضى بعد 48 ساعة من بداية التشخيص والعلاج.
فيما أعلنت شركة "باير" للأدوية،
إحدى أكبر شركات تصنيع الدواء عبر العالم، عزمها توسيع إنتاج دواء "رويزوشين" الذي
يحتوي الكلوروكين، والتبرع به مجانا للحكومات. وتسير الشركة السويسرية "نوفارتيس"
على النهج ذاته، إذ أكدت استعدادها لإنتاج أدوية تتضمن الهيدروكسي كلوروكين بعد
تجارب أولية فقط وغير مؤكدة.
وبناءا على دراسة وزارة الصحة الفرنسية قال "جيروم
سالومون" إن العديد من الخبراء يدعون للحذر ما لم يجرى مزيد من الدراسات، وخاصة ما
يتعلق بالآثار السلبية التي يمكن أن تكون خطيرة. كما نصح طب الطوارئ بعدم التسرع في
تناول الكلوروكين، قائلا إننا "يجب أن ننتظر اختبارات أخرى". في الوقت الذى أعلن
فيه ترامب اعتماد بلاده للدواء، نفت هيئة الدواء والغذاء الأمريكية الـ"FDA"اتخاذ
تلك الخطوة، فيما قالت منظمة الصحة العالمية إن آثاره وقدرته على مكافحة كورونا
بفاعلية في حاجة إلى المزيد من الاختبارات.
وبعد هذا التضارب أوقفت منظمة
الصحة العالمية تجربة كبيرة لها لهيدروكسي كلوروكين، مما دفع عدة حكومات أوروبية
إلى حظر استخدام العقار، الذي يستخدم أيضا لعلاج الذئبة والتهاب المفاصل
الروماتويدي. ووجه ذلك ضربة للآمال في علاج روج له الرئيس الأميركي، دونالد ترامب،
في الوقت الذي تسارع فيه شركات الأدوية والحكومات لإيجاد طرق لعلاج المرضى والسيطرة
على انتشار فيروس كورونا المستجد.
وأوقفت منظمة الصحة العالمية استخدام العقار في
تجربتها بعد دراسة نشرتها مجلة "ذي لانسيت" الطبية البريطانية، توصلت إلى أن عينة
المرضى الذين تم علاجهم بهيدروكسي كلوروكين زادت فيها معدلات الوفاة وعدم انتظام
ضربات القلب .
أمام هذه المعطيات لابد من التساؤل عن ماهية التركيب الكيميائي لدواء
"الكلورين"، والعلاجات التي صنع من اجلها؟.
يستعمل " هيدروكسي كلوروكين " بالأساس
لمنع ولعلاج الملاريا. ولكنه ليس فعالاً ضد جميع أنواع الملاريا. ويعطى كذالك
بالدمج مع أدوية أخرى، لعلاج التهاب المفاصل الروماتويدي (Rheumatoid Arthritis) ،
فيستعمل في المحاولة الثانية بعد فشل المحاولات الأولى بأدوية اخرى . ويستخدم
أحيانًا، هذا الدواء لعلاج الأمراض المعدية، وضد الأعراض الجلدية و التهاب المفاصل.
أما بالنسبة للحوامل والمرضعات فيمنع علاجهم به، في حين يمكن أن يقدم للأطفال
وبجرعات محددة . كما له آثار جانبية متعددة. ويستخدم "الهيدروكسي كلوروكوين"
(Hydroxychloroquine)، وهو أحد مشتقات "الكلوروكين"، للأشخاص الذين تطورت عندهم
مقاومة مفعول الكلورين لمعالجة أمراض المناعة الذاتية.
ترى ما مدى نجاعة عقار
"الكلوروكين" في القضاء على كوفيد 19؟، خاصة أن حكومات كثير من دول العالم، وخاصة
الهشة منها، اعتمدته كعلاج وحيد وسلمت بنحاعته. فهل ستتوصل البشرية الى لقاح او
عقار يقضي على الكوفيد 19؟. أم أنه علينا أن ننتظر الطبيعة لتقوم بدورها، حينما
يفقد الفيروس خاصياته ويختفي مع مرور الزمن، كما اختفت فيروسات من قبله كالسارس
وايبولا وH1N1؟. أم أنه سيقدر على البشرية أن تتعايش مع هذا الفيروس كما الفيروسات
الموسمية تختفتي وتظهر؟.
إرسال تعليق