انعقد بالمقر العام لحزب الاستقلال، بتاريخ 07 فبراير 2020، ندوة تحت شعار " الصحراء المغربية بين الثوابت والمتغيرات "، وذلك بدعوة من فرع حسان الرباط لمنظمة المرأة الاستقلالية في إطار أنشطتها السنوية. وقد نسقت للندوة وأدارتها الباحثة في القانون الدولي والعلاقات الدولية: كاتبة فرع حسان الرباط لمنظمة المرأة الاستقلالية، الأستاذة نوال قاسمي، فيما أطر الندوة ثلة من الأساتذة الجامعيين والباحثين في قضايا السياسة الخارجية المغربية.
وخلال مداخلته الموسومة بـ " الصحراء المغربية، رؤية حضارية "، تطرق الدكتور عادل بن إيدامو، الأستاذ الزائر بجامعة محمد الخامس، إلى الأهمية المنهجية للمناولة الحضارية لقضية الصحراء المغربية، والتي تتحدد في أهمية نقل النقاش الفكري حول الصحراء المغربية إلى قلب المشهد العام باعتباره أهم مداخل الإجماع المغربي على مغربية الصحراء، وإثارة الاهتمام بالأبعاد الحضارية باعتبارها أبعادا ثابتة تجلي الموقف المبدئي لكل مهتم بقضية الصحراء المغربية...وقد اعتمد الدكتور عادل بن إيدامو، الباحث بمؤسسة خالد الحسن للدراسات والأبحاث، فرضية مؤداها أن الاعتبارات الحضارية مدخل مهم لتشكيل الاستراتيجية المغربية الفاعلة المتماسكة، بما يؤكد أن تماسك وفاعلية أي رؤية استراتيجية للمغرب في قضية الصحراء المغربية تتوقف على الاعتبارات الحضارية، كما تؤكد أن توظيف المحددات الاستراتيجية المتغيرة وإن كان حاسما في فاعلية الاستراتيجية المغربية في قضية الصحراء المغربية، إلا أن هذا الاعتبار الضروري لابد وأن يتماشى مع الاعتبارات الحضارية القارة. كما استحضر الدكتور عادل بن إيدامو، الشواهد المعاصرة على الصحوة الدبلوماسية المغربية في السنوات الأخيرة، في قضية الصحراء المغربية، وبخاصة المستجدة منها، من خلال سياقات مؤتمر الداخلة وتداعيات مؤتمر برلين، للتأكيد على أن المملكة المغربية مؤهلة على الدوام بحكم عمقها وإشعاعها الحضاريين، وفاعليتها الإقليمية والقارية، إلى المزيد من البناء للتراكم المستأنف في تعزيز موقفها حول الصحراء المغربية، باعتباره الموقف القائم على التمثل الواقعي والعملي لمرجعيته الحضارية الرافضة لكل تهديد يمس الوحدة الترابية للمملكة، ولكل موقف إقليمي ودولي ممالئ وملتبس، ولكل سياسة تجزيئ وحصر استراتيجي من قبل المناوئين للوحدة الترابية للمملكة المغربية.
وفي مداخلة الدكتور فؤاد فرحاوي، الأستاذ الجامعي، المعنونة بـ " الصحراء المغربية، رؤية استراتيجيــــــة "، أكد على بروز مسألة الصحراء المغربية، كجزء من قضية الوحدة الترابية، في سياق جيوستراتيجي تحكم بشكل كبير في مسارها. واعتبر الدكتور فؤاد فرحاوي، أن الجغرافية السياسية للمغرب المتفاعلة والمتداخلة مع الفضاءات المحيطة به، تشكل العقل الاستراتيجي/التاريخي لفهم الثوابت والمتغيرات التي تتحكم في المواقف السياسية حول قضايا الوحدة الترابية للمملكة، سواء في سياق تفاعل المغرب مع فضائه العربي/الإسلامي أو المتوسطي/الأوروبي أو الإفريقي أو الأمريكي/الأطلسي. كما اعتبر الأستاذ فؤاد فرحاوي، الباحث في الشؤون الآفروآسيوية، أنه عند الغوص في العقل الاستراتيجي/التاريخي للمغرب، نجد أن قضية الصحراء تعود جذورها إلى التحولات الاستراتيجية التي شهدتها العلاقات المغربية الأوروبية المتوسطية مع بداية القرن الخامس العاشر الميلادي، ليجد المغرب نفسه خلال القرن التاسع عشر محاطا بأحداث استراتيجية أثرت على تفاعله مع فضائه الصحراوي شرقا وجنوبا، وهي أحداث ارتبطت أساسا بالصراع بين القوى الاستعمارية الأوروبية خارج مجالهم التفاعلي الرئيس قبل هذه المرحلة.
وخلال الحرب العالمية الثانية وخروج الولايات المتحدة الأمريكية إلى ما وراء المحيط الأطلسي ودخولها الحوض المتوسطي، وضع المغرب وفضائه الصحراوي الأطلسي في سياق استراتيجي جديد جعلته في قلب استحقاقات إنشاء منظمة حلف شمال الأطلسي عام 1949 وبعده حلف وارسو عام 1955. أما مع العشرية الثانية من القرن العشرين سيجد المغرب نفسه أمام تحولين استراتيجيين أثرا في مسار قضية الصحراء المغربية، يتمثل التحول الأول في صعود التوجه الأوراسي في السياسة الخارجية الروسية، أما التحول الثاني فيتجسد في الصعود الصيني وخروجه إلى مساحات التأثير خارج محيطها التقليدي، بما فيه الحوض المتوسطي وإفريقيا.
أما الأستاذ أحمد نور الدين الكاتب والمحلل السياسي، فقد اعتبر في مداخلته حول " الصحراء المغربية، رؤية قانونية "، أنه لحسم الصراع في الصحراء المغربية لا بد من استراتيجية شاملة ومندمجة تكون ثمرة مجهود كل مؤسسات الدولة، كل من موقعه وكل حسب مسؤوليته. وهو ما يتطلب تفاعلا مستمرا بين الخارجية المغربية والأحزاب الوطنية والبرلمان وباقي المؤسسات المعنية لمواجهة الجمعيات واللوبيات التي أنشأتها الجزائر وأوروبا في أماكن أخرى لانتزاع وعود الاعتراف بكيان تندوف. هذا دون إغفال تفعيل دور المنتخبين في الأقاليم الجنوبية، والاستعانة بقيادات الجبهة العائدين إلى أرض الوطن من تندوف، والانفتاح على التيارات المنشقة عن الجبهة. كما اعتبر الأستاذ أحمد نور الدين، الباحث في القضايا الدولية، أن إحصاء اللاجئين يشكل المدخل الرئيس لحسم الصراع في الصحراء، لذلك يجب أن يجعله المغرب شرطا واجب التحقق قبل الحديث عن استئناف أية مشاورات مع الأمم المتحدة، لأن مخيمات تندوف تشكل استثناء من بين كل مخيمات اللاجئين عبر العالم، التي لا يتمتع فيها قاطنوا المخيمات بالوضعية القانونية للاجئين، مما يحرمهم من حقوقهم ومنها حرية التنقل وحرية العودة. كما أن إحصاء اللاجئين يعتبر مسالة إنسانية، باعتبارها السبيل لإنهاء معاناة حوالي 40 ألف لاجئ حرموا من لم الشمل العائلي طيلة 45 سنة، كما أن تحقق هذا الشرط يعتبر فقدانا لآخر أوراق النظام الجزائري والجبهة الانفصالية لابتزاز المجتمع الدولي وتضليله، وهذا ما يفسر استماتة النظام العسكري الجزائري في رفض إحصاء اللاجئين وتمتعهم بحقوقهم.
وفي مداخلة الدكتور نبيل الزكاوي، الأستاذ الجامعي، والمتعلقة بـ " الصحراء المغربية، رؤية سياسيــــــــة "، تناول أهمية آثار الاصلاحات السياسية الداخلية على قضية الصحراء، حيث تركز معظم الاقترابات من قضية الصحراء على المستوى الدولي للتحليل بأبعاده العالمية والجهوية والاقليمية، ولذلك كان من الضروري تسليط الضوء على المستوى الداخلي لتحليل القضية ببعديها الوطني والمحلي، لكن بطبيعة الحال في إطار التفاعل الديناميكي بين كل هذه الأبعاد. كما أكد الدكتور نبيل الزكاوي، الباحث في العلاقات الدولية والعلوم السياسية، أنه في هذا السياق، تبدو الحاجة ملحة إلى إعادة تأهيل قضية الصحراء، من خلال تعزيز الصف القومي المحلي على أساس دعم تقرير المصير كمشروع سياسي وطني، ولهذا لزم التركيز في الأفق المنظور على الإمكانات التصاعدية لـنهج "الحل من الأسفل"، وزيادة دور الفاعلين المحليين وتمكينهم بوصفهم مهندسين رئيسيين ومالكين للحل، وصانعين للحل وليسوا مستفيدين منه. لكل ذلك، فخيار الدمقرطة الموسوم بالإصلاح السياسي يمكن أن يقوم دليلا على الدفع قدما بملف الصحراء الراكد، وعلى هدى من ذلك تتبين أهمية البحث في راهن ورهانات قضية الصحراء في علاقة بقضايا سياسية داخلية من قبيل الإصلاح الجهوي والمسلسل الانتخابي والنشاط البرلماني وقضايا الاجتماع المحلي (دينامية الاحتجاج، الهوية والادماج...).
وقد اختتمت أشغال هذه الندوة بحفل توقيع كتاب للدكتور عادل بن إيدامو بعنوان: المنظور الحضاري في السياسة الخارجية المغربية، مقاربة تحليلية مقارنة في الإدراك المغربي والتركي للأمن القومي.
إرسال تعليق